هل الحرارة تؤثر على العسل؟ وهل يفقد قيمته بالحرارة؟

14 يوليو 2025
الحواج | ALHAWWAJ

يُعد العسل من أقدم وأعظم الأغذية الطبيعية التي عرفها الإنسان، وقد ارتبط اسمه عبر العصور بالصحة والجمال والتغذية والندرة بل أيضاً لقيمته المرتبطة بنُدرة مصادره وارتباطه بثراء البيئة أو غنى من يقتنيه. إلا أن بعض المفاهيم المتداولة عن العسل قد تشوبها المبالغة أو سوء الفهم، مما يجعل من الضروري توضيح الحقائق للمهتمين. ومن أشهر وأهم تلك المفاهيم هو سؤال هل الحرارة تؤثر على العسل وما قد يحصل للعسل بعد ذلك وهل يمكن استخدامه واستهلاكه أم لا.


العسل والحرارة في الطبيعة: مشهد يومي في حياة النحل:

لنتأمل أولاً في عالم النحل نفسه في وضعه الطبيعي حتى بدون وجود الإنسان لإدارته ورعايته. نجد أن النحل يعيش في بيئات طبيعية تتفاوت فيها درجات الحرارة بشدة، بل إن بعض أنواع النحل تنتج العسل في مناطق صحراوية تصل درجات الحرارة فيها إلى ما فوق 45°C، مثل بيئات الأودية والشعاب والمناطق الجافة واللتي تنعرف منها وعنها الكثير خصوصاً في المنطقة العربية ذات المناخ الصحراوي القاسي.

وفي فصل الصيف، مثلاً، تصل درجة حرارة الخلايا الطبيعية - خاصة في الأماكن الحارة - إلى مستويات عالية دون أن يؤثر ذلك على جودة العسل وهو في طوره الطبيعي داخل الشمع. ورغم ذلك، يبقى العسل محفوظاً داخل خلايا الشمع دون أن يتلف أو يفسد.

بل على العكس، يعمل النحل على ضبط حرارة خليته داخل معدلات معينة، وعندما ترتفع الحرارة بشكل مفرط، يقوم بجلب الماء وتبخيره لتحسين حرارة الخلية، لكنه لا يوقف الإنتاج ولا يترك العسل يفسد! وفي كل الأحوال، العسل لا يتأثر بمجرد ارتفاع الحرارة الطبيعية طالما بقي داخل بيئته المتوازنة.


وهذا ما يؤكد علمياً أن العسل مادة طبيعية لها مرونة حرارية عالية في بيئتها الأصلية.


لكن، متى تؤثر الحرارة على العسل فعلاً ؟ وإلى أي حد ؟

يبدأ تأثير الحرارة الملحوظ عندما يتعرض العسل لدرجات حرارة مرتفعة جداً وبشكل مباشر ولوقت طويل في المراحل خارج بيئته الطبيعية، خصوصاً عند التعامل البشري معه بعد الحصاد والتخزين.

لكنها تأثيرات محدودة، ويجب فهم التأثيرات التي قد تحدث في هذه الحالة بدون تضخيم، وهي تشمل:

1. تحلل الإنزيمات الطبيعية:

العسل يحتوي على إنزيمات نشطة مثل إنزيم "الديستيز" و"الإنفرتيز"، وهذه الإنزيمات قد تبدأ في التراجع عندما يتعرض العسل لحرارة تتجاوز 40 - 45°C لفترات طويلة. لكن يجب الانتباه أن العسل لا يفقد فوائده الغذائية تماماً حتى في هذه الحالة، بل تتأثر بعض خصائصه الإنزيمية فقط.

2. تغير اللون والنكهة:

تحت تأثير حرارة عالية ومستمرة، قد يتغير لون العسل ليصبح أغمق قليلاً، كما قد تطرأ تغييرات طفيفة على النكهة نتيجة التفاعلات الطبيعية مثل تفاعل ميلارد، وهي تفاعلات طبيعية لا تعني فساد العسل أبداً ولكنها تغير ملامحه المحسوسة.

3. التبلور أو عدمه:

التبلور عملية طبيعية للعسل وليست مرتبطة بالحرارة بشكل مباشر، لكن الحرارة العالية قد تؤخر تبلور العسل دون أن تفسده، في حين أن التخزين في حرارة منخفضة قد يسرّع التبلور.


هل يفقد العسل قيمته إذا تعرض للحرارة؟

هذا السؤال يتكرر كثيراً من المستهلكين، وهنا يكمن جوهر التوضيح:

العسل لن يتحول إلى مادة ضارة إذا تعرض للحرارة، لكنه قد يفقد بعض خصائصه النشطة، وهذا لا يعني أنه أصبح عديم الفائدة.

المقارنة هنا أشبه ما تكون بين العسل الطازج الطبيعي وعسل تم تسخينه. وفي كلا الحالتين يظل العسل غذاءً جيداً وذا قيمة غذائية.

لا حاجة للمبالغة في التحسس من هذه النقطة، خصوصاً أن الكثير من منتجات العسل التجارية تمر بعمليات تسخين معتدلة لتسهيل التعبئة والتصفية دون التأثير الجوهري عليه.


ماذا عن ممارسات التعبئة والتخزين في البلدان الباردة؟

في كثير من الدول الباردة، يقوم مربو النحل بتخزين العسل بعد جمعه في براميل كبيرة - قد تكون معدنية أو بلاستيكية - لحفظه حتى وقت التعبئة والتسويق. ومع انخفاض درجات الحرارة في تلك المناطق، يتبلور العسل بسرعة، مما يتطلب عند التعبئة إعادة تسخينه تدريجياً وبطريقة منظمة وآمنة.

هذه العملية تتم تحت رقابة دقيقة وتُعرف باسم التسخين التدريجي، حيث يُعاد العسل لقوامه السائل ليسهل ضخه وتحريكه عبر الخزانات وخطوط الإنتاج حتى تعبئته في العبوات المخصصة للمستهلك. وهي عملية آمنة لا تؤثر على خصائص العسل ولا تفقده فوائده الطبيعية.


الواقع العملي للمستهلك: ماذا يعني هذا بالنسبة لك؟

إذا كنت من محبي العسل وتحرص على جودته، فهنا بعض النصائح البسيطة:

احرص على شراء العسل من مصادر موثوقة تهتم بعمليات التعبئة والتخزين.

احفظ العسل في مكان بارد وجاف بعيدًا عن أشعة الشمس المباشرة، ويفضل أن تكون درجة حرارة المكان بين 15°C و25°C.

لا داعي لتخزين العسل في الثلاجة، إلا إذا كنت ترغب في تأخير التبلور.

إذا تغير لون العسل أو أصبح أكثر سيولة في الصيف، فهذا أمر طبيعي ولا يعني فساده.

لا تتردد في استخدام العسل حتى لو تعرض لحرارة عابرة، فهو ما زال مفيداً ويحتوي على مكوناته الطبيعية ومركباته الغذائية الجيدة.


التعامل الواقعي مع العسل

الحرارة عامل طبيعي في حياة العسل والنحل، وليس عدواً مطلقاً.

المبالغة في التحسس من هذه النقطة قد تحرمك من الاستمتاع بمنتج طبيعي مفيد.

والأهم هو الوعي والتوازن: العسل منتج حساس لكنه ليس هشاً، ويستحق أن نحتفظ به ونحسن تخزينه كما نحرص على غذائنا الطبيعي الآخر.


تذكّر دائماً أن العسل الذي نراه في المحلات والمناحل قد مر بمراحل كثيرة، وهو بطبيعته مادة قابلة لتحمل الظروف المعتدلة، لكن كغيره من الأغذية، لا يحب الإهمال أو سوء التخزين.


العسل... طبيعي بطبعه، مرن بطبيعته، وأصيل بفوائده.


تسوق الان منتجات العسل الطبيعي من متجر الحواج للعسل ومشتقاته.


اقرأ أيضًا:

هل العسل الطبيعي له تاريخ انتهاء؟

هل العسل الاصلي يذوب في الماء؟